مهارات التفكير العليا: مفتاح النجاح في الحياة والتعليم

 في عالم يتسم بالتعقيد والمتغيرات المتسارعة، أصبحت مهارات التفكير العليا Higher-Order Thinking Skills ضرورة لا غنى عنها للنجاح والتفوق. هي ليست مجرد القدرة على الحفظ والتلقين، بل هي مجموعة من العمليات العقلية المعقدة التي تُمكِّن الفرد من تحليل المعلومات، تقييم الأفكار، حل المشكلات بطريقة منهجية، اتخاذ قرارات صائبة، وخلق حلول مبتكرة.

يعتبر تنمية مهارات التفكير العليا ركيزة أساسية للنجاح الأكاديمي والمهني. ففي المجال الدراسي، تساعد هذه المهارات الطلبة على فهم واستيعاب المفاهيم المعقدة، التفكير النقدي في المعلومات الواردة في الكتب والمصادر المختلفة، وبناء حجج منطقية تدعم أفكارهم. أما على الصعيد المهني، فهي تُعد الموظفين للتعامل مع التحديات المعقدة، التفكير الاستراتيجي لحل المشكلات، وابتكار أفكار جديدة تساهم في تطوير العمل.

مفهوم مهارات التفكير العليا

تمثل مهارات التفكير العليا قدرات عقلية تتجاوز استرجاع المعلومات وتكرارها. وهي تشمل التحليل، التقييم، والابتكار وتزيد من القدرة على استيعاب المفاهيم المعقدة وفهمها. حيث تساهم مهارات التفكير العليا في تحسين التعلم، وتصنيف الحقائق ومعالجتها، وتعزز من القدرة على استكشاف الأخطاء والتفكير خارج الصندوق لحل المشكلات والوصول إلى حلول إبداعية وابتكارية للتحديات اليومية.

تقسم عمليات التفكير العليا إلى العمليات التالية:

1. الفهم والاستيعاب Comprehension: وهو يعني القدرة على إدراك الفرد لإدراك العلاقات القائمة بين الحقائق والمفاهيم، وتوضيح مدلولاتها.
2. التفسير Explanation: وهو القدرة على تعريف المعلومات وشرحها وتلخيصها وتحويلها من شكل إلى آخر.
3. التصنيف Classification: ويعني تجميع الأشياء على أساس مميز لها عن طريق معالم عامة مشتركة بينها لتعني فئات معينة.
4. التنظيم Systematization: وهو ترتيب وتنسيق فئات الأشياء والظواهر في نظام معين وفقا للعلاقات والارتباطات التي تجعها وتربطها ببعضها البعض.
5. المقارنة Comparison: وتعني تحديد أوجه التشابه والاختلاف بين الأشياء والظواهر والعلاقات.
6. التعميم Generalization: يعني استخلاص الخصائص العامة أو المبدأ العام للموضوع أو الظاهرة، ومن ثم يتثنى تطبيقه على أشياء أو حالات أو مواقف تشترك معه في نفس الخصائص.
7. التجريد Abstraction: وهو يعني إعمال الفكر على أساس ما يميز الموضوع وتحديد معالمه العامة الأساسية، للانتقال من المحسوس إلى التصور الذهني، ومن صيغته المادة إلى الصيغة المعنوية.
8. التجسيد Concretization: وهو عملية عكسية يتم الانتقال بها من التجريد والتعميم إلى الواقع المادي، ليظل التفكير مرتبطا بالواقع بشكل مباشر.
9. التحليل Analysis: عملية عقلية تفك الظواهر الكلية المركبة من العناصر المكونة لها إلى مكوناتها الأساسية، لإدراك العلاقات بين أجزائها، وتحديد العلاقات الحاكمة لها.
10. التركيب Synthesis: هو عكس عملية التحليل، وهو يعني إعادة توحيد الظاهرة المركبة التي تم تحديدها في عملية التحليل، بغرض الوصول إلى مفهوم كلي عن الظاهرة التي تتألف من عدة عناصر.
11. الاستدلال Inference: يقوم على أساس استنتاج صحة حكم معين من صحة أحكام أخرى، وهو ينقسم إلى الاستقراء Induction وهو يعني التوصل إلى نتيجة عامة من ملاحظة الأجزاء. والحكم Judgement أو النقد والذي يعني إصدار الرأي التقويمي.

استكشف مستويات التفكير: للتفكير عدد من المستويات منها: الفهم التحليل التوصيل التطبيق، وأهميتها في التعليم الفعّال.

تعلم استخدام أرقام رومانية مختلفة في تصميم الشعارات والمشاريع الإبداعية.

تصنيف مهارات التفكير العليا

يقسم الكثير من الباحثين التربويين مستويات التفكير إلى مستويين، وهما:

المستوى الأدنى أو الأساسي 

ويتضمن هذا المستوى من التفكير المهارات الأساسية مثل اكتساب المعرفة وتذكرها، ويشمل ذلك مهارات الملاحظة والمقارنة والتصنيف، وهي المهارات التي ينبغي على المتعلم اتقانها حتى يصبح قادرا على الانتقال للمستوى المتقدم أو المركب من مستويات التفكير بشكل فعال.

المستوى الأعلى أو المركب

وهو ما يطلق عليه التفكير الشامل، ويتضمن هذا المستوى وفقا لإجماع المراجع على خمسة أنواع من التفكير، وهي:

1. التفكير الناقد
2. التفكير الإبداعي
3. حل المشكلات
4. اتخاذ القرارات
5. التفكير فوق المعرفي

يعرض الشكل التالي نموذج تفصيلي لعمليات التفكير ومهاراته.

• اقرأ أيضًا عن هرم بلوم الحديث، وكيف يسهم في تعزيز مهارات التفكير العليا في الفصول الدراسية.

أنواع مهارات التفكير العليا

تُشبه مهارات التفكير العليا صندوق أدوات ذهبية، فهي تمكننا من تحليل المعلومات، وتقييم الأفكار، وحل المشكلات، واتخاذ القرارات الصائبة.

ولكن ..

ما هي أنواع مهارات التفكير العليا؟

هناك العديد من الأنواع الفرعية التي تندرج تحت مظلة مهارات التفكير العليا. ومن أهمها:

التفكير الناقد

يقصد به القدرة على تحليل المعلومات بشكل منهجي، تقييم صحتها ومصداقيتها، واستخلاص استنتاجات منطقية. يساعد موقع تربوي موثوق يقدم تعريفاً مفصلاً بالتفكير الناقد: نص تشعبي مقترح: التفكير الناقد على فهم أعمق لهذا النوع من التفكير.

التفكير الإبداعي

هو القدرة على التفكير خارج الصندوق، ابتكار أفكار جديدة، وإيجاد حلول غير تقليدية للمشكلات. يمكن تطوير هذه المهارة من خلال استراتيجيات مختلفة، مثل العصف الذهني وخرائط المفاهيم. 

حل المشكلات

يشمل هذا النوع القدرة على تحديد ماهية المشكلة، تحليل أسبابها، وتطوير حلول فعالة لها. توجد مراحل منهجية لحل المشكلات يمكن تعلمها وممارستها.

اتخاذ القرار

يرتبط هذا النوع بقدرة الفرد على تقييم الخيارات المتاحة، تحديد أفضل الحلول الممكنة، وتحمل مسؤولية القرارات المتخذة.

ما هي فوائد وأهمية مهارات التفكير العليا؟

لا تقتصر فوائد تنمية مهارات التفكير العليا وأهميتها على النجاح الأكاديمي والمهني فحسب، بل تمتد لتشمل جوانب عديدة من الحياة اليومية، على سبيل المثال:

النجاح الأكاديمي والمهني

تُساعد مهارات التفكير العليا الطلبة على فهم واستيعاب المفاهيم المعقدة، التفكير النقدي في المعلومات، وبناء حجج منطقية تدعم أفكارهم. 

أما على الصعيد المهني، فهي تصقل مهارات الموظفين المهنية، وتعينهم على تحسين قدراتهم للتعامل مع التحديات المعقدة، التفكير الاستراتيجي لحل المشكلات، وابتكار أفكار جديدة تساهم في تطوير العمل.

تحسين التحصيل الدراسي

تساعد هذه المهارات الطلبة على التفكير بشكل أعمق في المواد الدراسية، ربط المعلومات ببعضها البعض، وبناء معرفة راسخة.

تعزيز القدرة على حل المشكلات الواقعية

سواء على المستوى الشخصي أو الاجتماعي، تساعد مهارات التفكير العليا على التعامل مع التحديات بطريقة فعالة وإيجاد حلول مناسبة لها.

تطوير مهارات التواصل الفعال

ترتبط مهارات التفكير العليا ارتباطاً وثيقاً بمهارات التواصل الفعال وبالقدرة على التعبير عن الأفكار بشكل واضح ومنطقي، طرح الأسئلة البناءة، والاستماع بإنصات للآراء المختلفة.

رفع مستوى الإبداع والابتكار

تُعد هذه المهارات ضرورية للأفراد الذين يسعون إلى التفكير بشكل مختلف، ابتكار حلول جديدة، والمشاركة في مجالات تتطلب الإبداع والابتكار.

 تعزيز الثقة بالنفس

تُساعد مهارات التفكير العليا على الشعور بالقدرة على التعامل مع التحديات، حل المشكلات، واتخاذ القرارات، مما يُعزز الثقة بالنفس والشعور بالإنجاز.

تنمية مهارات التعلم الذاتي

تُساعد مهارات التفكير العليا على التعلم بشكل مستقل، طرح الأسئلة، والبحث عن المعلومات.

تحسين مهارات التعاون والعمل الجماعي

تُساعد مهارات التفكير العليا على التواصل بشكل فعال مع الآخرين، تبادل الأفكار، والعمل بشكل جماعي لتحقيق أهداف مشتركة.

تحسين مهارات حل المشكلات

تُساعد مهارات التفكير العليا على تحليل المشكلات، تقييم الخيارات، واختيار أفضل الحلول.

تحسين مهارات اتخاذ القرار

تُساعد مهارات التفكير العليا على تقييم المعلومات، توقع النتائج، واتخاذ قرارات صائبة.

تحديات تعيق تنمية مهارات التفكير العليا

على الرغم من أهمية مهارات التفكير العليا، إلا أن هناك بعض التحديات التي قد تعيق تنميتها، ومنها:

• الخوف من الفشل: يخشى البعض من تجربة أفكار جديدة أو طرح أسئلة خارجة عن المألوف، وهذا الخوف يعيق عملية التفكير النقدي والإبداعي.
• الاعتماد على الحفظ والتلقين: التركيز على الحفظ دون التفكير والتحليل يضعف من مهارات التفكير العليا.

استراتيجيات فعالة لتنمية مهارات التفكير العليا

لا يعتبر امتلاك مهارات التفكير العليا موهبة يولد بها الفرد، بل هي مهارات مكتسبة يمكن تنميتها وتطويرها من خلال الممارسة المستمرة. إليك بعض الاستراتيجيات الفعالة التي تساعدك على تعزيز مهارات التفكير لديك:

القراءة النقدية

لا تكتف بقراءة النصوص بشكل سطحي، بل حاول تحليل الأفكار المطروحة، تقييم صحتها، ومحاولة استخلاص استنتاجات منطقية.

طرح الأسئلة المتنوعة

لا تتردد في طرح الأسئلة التي تراودك، سواء خلال القراءة أو المناقشات، فذلك يحفز التفكير النقدي ويساعدك على فهم أعمق للموضوع.

العصف الذهني

سواء بشكل فردي أو جماعي، يعد العصف الذهني استراتيجية رائعة لتوليد أفكار جديدة وحلول مبتكرة للمشكلات.

الخرائط المفاهيمية

تساعد هذه الرسومات البصرية على تنظيم المعلومات وتوضيح العلاقات بين المفاهيم المختلفة، مما يعزز قدرتك على التفكير التحليلي والربط بين الأفكار.

حل الألغاز والتحديات العقلية

ممارسة ألعاب الذكاء والألغاز المختلفة تساعد على تحسين الوظائف العقلية وتنشيط مهارات التفكير الإبداعي وحل المشكلات، يمكن استخدام منصة كاهوت لذلك الغرض.

أسئلة شائعة حول مهارات التفكير العليا

ما هي مهارات التفكير الأساسية؟

مهارات التفكير الأساسية هي مجموعة من المهارات العقلية التي تشكل أساسًا لفهم المعلومات ومعالجتها. تُعدّ هذه المهارات ضروريةً للنجاح في مختلف جوانب الحياة، بدءًا من الدراسة والعمل ووصولًا إلى العلاقات الشخصية.

أهم مهارات التفكير الأساسية:

• التذكر: القدرة على تخزين المعلومات واسترجاعها عند الحاجة.
• الفهم: القدرة على استيعاب المعلومات ومعرفة معناها.
• التطبيق: القدرة على استخدام المعلومات في المواقف الجديدة.
• التحليل: القدرة على تفكيك المعلومات إلى أجزاء أصغر لفهمها بشكل أفضل.
• التقييم: القدرة على الحكم على صحة المعلومات ومصداقيتها.
• التركيب: القدرة على ربط المعلومات المختلفة ببعضها البعض لإنشاء أفكار جديدة.
• التفكير الإبداعي: القدرة على ابتكار أفكار جديدة لحل المشكلات.

كيف يمكن قياس مهارات التفكير العليا؟

لا يوجد اختبار موحد لقياس مهارات التفكير العليا، ولكن هناك عدة وسائل تقويم يمكن استخدامها مثل تحليل المشاريع البحثية، المشاركة في المناظرات، والأسئلة التي تتطلب التفكير النقدي والتحليل.

هل يمكن لأي شخص تطوير مهارات التفكير العليا؟

بالتأكيد! كما ذكرنا سابقاً، تعتبر مهارات التفكير العليا مكتسبة وليست فطرية. ويمكن لأي شخص بغض النظر عن العمر أو الخلفية التعليمية تنمية هذه المهارات من خلال الممارسة المستمرة والتعرض لأنشطة تحفز التفكير النقدي والإبداعي.

ما هي الفئة العمرية المناسبة لتعليم مهارات التفكير العليا؟

من المهم البدء بتعليم مهارات التفكير العليا للأطفال في سن مبكرة. ففي مرحلة الطفولة، يتمتع الأطفال بطبيعة فضولية تحفز طرح الأسئلة والاستكشاف. ويمكن للآباء والمعلمين الاستفادة من هذه المرحلة من خلال تشجيع الأطفال على التفكير بشكل مستقل، طرح الأسئلة، ومناقشة الأفكار المختلفة.

ما هي أسئلة مهارات التفكير العليا؟

أسئلة مهارات التفكير العليا هي الأسئلة التي تقيس المستويات الأعلى من التفكير. هناك ستة مستويات من مستويات التفكير وفقا لـ جدول تصنيف بلوم. يوضح الجدول التالي أمثلة لصياغة الأسئلة في كل مجال، مع مراعاة التركيز على مستويات التحليل، والتقييم، والإبداع أو الابتكار وذلك لقياس مهارات التفكير العليا:

خاتمة

في ظل المتغيرات المتسارعة التي يشهدها عالمنا المعاصر، أصبحت مهارات التفكير العليا ضرورة لا غنى عنها للنجاح والتفوق. فهي تمكننا من مواجهة التحديات بطريقة فعالة، ابتكار حلول مبتكرة، والمساهمة بشكل إيجابي في المجتمع. بادروا بتنمية هذه المهارات من خلال الاستراتيجيات التي ذكرناها، وشاركونا في رحلة التفكير النقدي والإبداعي!